كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والخوف: توقع أمر مكروه، والحزن: حالة نفسية تنشأ من حادث مكروه للنفس كفوات أمر محبوب، أو فقد حبيب، أو بعده، أو نحو ذلك.
والمعنى: لا تخافي عليه الهلاك من الإلقاء في اليم، ولا تحزني على فراقه.
والنهي عن الخوف وعن الحزن نهي عن سببيهما وهما توقع المكروه والتفكر في وحشة الفراق.
وجملة {إنا رادوه إليك} في موقع العلة للنهيين لأن ضمان رده إليها يقتضي أنه لا يهلك وأنها لا تشتاق إليه بطول المغيب.
وأما قوله: {وجاعلوه من المرسلين} فإدخال للمسرة عليها.
{فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)}.
الالتقاط افتعال من اللقط، وهو تناول الشيء الملقى في الأرض ونحوها بقصد أو ذهول.
أسند الالتقاط إلى آل فرعون لأن استخراج تابوت موسى من النهر كان من إحدى النساء الحافات بابنة فرعون حين كانت مع أترابها وداياتها على ساحل النيل كما جاء في الإصحاح الثاني من سفر الخروج.
واللام في {ليكون لهم عدوًا} لام التعليل وهي المعروفة عند النحاة بلام كي وهي لام جارة مثل كي، وهي هنا متعلقة ب {التقطه}.
وحق لام كي أن تكون جارة لمصدر منسبك من أن المقدرة بعد اللام ومن الفعل المنصوب بها فذلك المصدر هو العلة الباعثة على صدور ذلك الفعل من فاعله.
وقد استعملت في الآية استعمالًا واردًا على طريقة الاستعارة دون الحقيقة لظهور أنهم لم يكن داعيهم إلى التقاطه أن يكون لهم عدوًّا وحزنًا ولكنهم التقطوه رأفة به وحبًا له لما أُلقي في نفوسهم من شفقة عليه ولكن لما كانت عاقبة التقاطهم إياه أن كان لهم عدوًّا في الله ومُوجب حزن لهم، شبهت العاقبة بالعلة في كونها نتيجة للفعل كشأن العلة غالبًا فاستعير لترتب العاقبة المشبهة الحرف الذي يدل على ترتيب العلة تبعًا لاستعارة معنى الحرف إلى معنى آخر استعارة تبعية، أي استعير الحرف تبعًا لاستعارة معناه لأن الحروف بمعزل عن الاستعارة لأن الحرف لا يقع موصوفًا، فالاستعارة تكون في معناه ثم تسري من المعنى إلى الحرف فلذلك سميت استعارة تبعية عند جمهور علماء المعاني خلافًا للسكاكي.
وضمير {لهم} يعود إلى آل فرعون باعتبار الوصف العنواني لأن موسى كان عدوًا لفرعون آخر بعد هذا، أي ليكون لدولتهم وأمتهم عدوًا وحزنًا فقد كانت بعثة موسى في مدة ابن فرعون هذا.
ووصفه بالحزن وهو مصدر على تقدير متعلق محذوف، أي حزنًا لهم لدلالة قوله لهم السابق.
وليس هذا من الوصف بالمصدر للمبالغة مثل قولك: فلان عدل، لأن ذلك إذا كان المصدر واقعًا موقع اسم الفاعل فكان معنى المصدر قائمًا بالموصوف.
والمعنى هنا: ليكون لهم حزنًا.
والإسناد مجاز عقلي لأنه سبب الحزن وليس هو حزنًا.
وقرأ الجمهور {وحزنًا} بفتح الحاء والزاي.
وقرأه حمزة والكسائي وخلف بضم الحاء وسكون الزاي وهما لغتان كالعَدَم والعُدْم.
وجملة {إن فرعون وهامان}. إلى آخرها في موضع العلة لجملة {ليكون لهم عدوًا وحزنًا} أي قدّر الله نجاة موسى ليكون لهم عدوًّا وحزنًا، لأنهم كانوا مجرمين فجعل الله ذلك عقابًا لهم على ظلمهم بني إسرائيل وعلى عبادة الأصنام.
والخاطىء: اسم فاعل من خَطِىءَ كفرح إذا فعل الخطيئة وهي الإثم والذنب، قال تعالى: {ناصية كاذبة خاطئة} [العلق: 16].
ومصدره الخطء بكسر الخاء وسكون الطاء.
وتقدم في قوله تعالى: {إن قتلهم كان خطئًا كبيرًا}.
في [الإسراء: 31].
وأما الخطأ وهو ضد العمد ففعله أخطأ فهو مخطىء، قال تعالى: {ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمّدت قلوبكم} [الأحزاب: 5]، فعلى هذا يتعين أن الفصحاء فرقوا الاستعمال بين مرتكب الخطيئة ومرتكب الخطأ، وعلى التفرقة بين أخطأ وخطِىءَ درج نفطويه وتبعه الجوهري والحريري.
وذهب أبو عبيد وابن قتيبة إلى أن اللفظين مترادفان وأنهما لغتان، وظاهر كلام الزمخشري هنا أنه جار على قول أبي عبيد وابن قتيبة فقد فسر هذه الآية بالمعنيين وقال في الأساس: أخطأ في الرأي وخطىء إذا تعمد الذنب وقيل: هما واحد.
ويظهر أن أصلهما لغتان في معنى مخالفة الصواب عن غير عمد أو عن عمد، ثم غلب الاستعمال الفصيح على تخصيص أخطأ بفعل على غير عمد وخطِىءَ بالإجرام والذنب وهذا الذي استقر عليه استعمال اللغة.
وإن الفروق بين الألفاظ من أحسن تهذيب اللغة.
فأما محمل الآية هنا فلا يناسبه إلا أن يكون {خاطئين} من الخطيئة ليكون الكلام تعليلًا لتكوين حزنهم منه بالأخارة.
وتقدم ذكر هامان آنفًا القصص (6).
{وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)}.
يدل الكلام على أن الذين انتشلوه جعلوه بين أيدي فرعون وامرأته فرقت له امرأة فرعون وصرفت فرعون عن قتله بعد أن هم به لأنه علم أن الطفل ليس من أبناء القبط بلون جلوته وملامح وجهه، وعلم أنه لم يكن حمله النيل من مكان بعيد لظهوره أنه لم يطل مكث تابوته في الماء ولا اضطرابه بكثرة التنقل، فعلم أن وقعه في التابوت لقصد إنجائه من الذبح.
وكان ذلك وقت انتشاله من الماء وإخراجه من التابوت.
وكانت امرأة فرعون امرأة ملهمة للخير وقدّر الله نجاة موسى بسببها.
وقد قال الله تعالى في شأنها {وضرب الله مثلًا للذين ءامنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتًا في الجنة ونجِّني من فرعون وعمله ونجِّني من القوم الظالمين} [التحريم: 11]، وهي لم تر عداوة موسى لآل فرعون ولا حزنت منه لأنها انقرضت قبل بعثة موسى.
و{امرأة فرعون} سميت آسية كما في الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم «كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران وآسية امرأة فرعون» ويفيد قولها ذلك أن فرعون حين رآه استحسنه ثم خالجه الخوف من عاقبة أمره فلذلك أنذرته امرأته بقولها {قرة عين لي ولك لا تقتلوه}.
وارتفع {قرة عين} على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هذا الطفل.
وحذفه لأنه دل عليه حضوره بين أيديهم وهو على حذف مضاف، أي هو سبب قرة عين لي ولك.
وقرة العين كناية عن السرور وهي كناية ناشئة عن ضدها وهو سُخْنة العين التي هي أثر البكاء اللازم للأسف والحزن، فلما كُني عن الحزن بسخنة العين في قولهم في الدعاء بالسوء: أسخن الله عينه.
وقول الراجز:
أوه أديم عرضه وأسخن ** بعينه بعد هجوع الأعين

أتبعوا ذلك بأن كنّوا عن السرور بضد هذه الكناية فقالوا: قرة عين، وأقر الله عينه، فحكى القرآن ما في لغة امرأة فرعون من دلالة على معنى المسرّة الحاصلة للنفس ببليغ ما كنّى به العرب عن ذلك وهو {قرة عين} ومن لطائفه في الآية أن المسرة المعنية هي مسرة حاصلة من مرأى محاسن الطفل كما قال تعالى: {وألقيت عليك محبة مني} [طه: 39].
ويجوز أن يكون قوله: {قرة عين} قسمًا كما يقال: أيمن الله.
فإن العرب يقسمون بذلك، أي أقسم بما تقرّ به عيني.
وفي الحديث الصحيح: أن أبا بكر الصديق استضاف نفرًا وتأخر عن وقت عشائهم ثم حضر، وفيه قصة إلى أن قال الراوي: فجعلوا لا يأكلون لقمة إلا ربت من أسفلها أكثر منها.
فقال أبو بكر لامرأته: يا أخت بني فراس ما هذا؟ فقالت: وقُرّة عيني إنها الآن أكثر من قبل.
فتكون امرأة فرعون أقسمت على فرعون بما فيه قرة عينها، وقرة عينه أن لا يقتل موسى، ويكون رفع {قرة عينٍ} على الابتداء وخبره محذوفًا، وهو حذف كثير في نص اليمين مثل: لعمرك.
وابتدأت بنفسها في {قرة عين لي} قبل ذكر فرعون إدلالًا عليه لمكانتها عنده أرادت أن تبتدره بذلك حتى لا يصدر عنه الأمر بقتل الطفل.
وضمير الجمع في قولها {لا تقتلوه} يجوز أن يراد به فرعون نزّلته منزلة الجماعة على وجه التعظيم كما في قوله: {قال رب ارجعون} [المؤمنون: 99].
ويجوز أن يراد به خطاب فرعون داخلًا فيه أهل دولته هامان والكهنة الذين ألقوا في نفس فرعون أن فتى من إسرائيل يفسد عليه مملكته.
وهذا أحسن لأن فيه تمهيدًا لإجابة سُؤْلها حين أسندت معظم القتل لأهل الدولة وجعلت لفرعون منه حظ الواحد من الجماعة فكأنها تعرّض بأن ذلك ينبغي أن لا يكون عن رأيه فتهوِّن عليه عدوله في هذا الطفل عما تقرر من قتل الأطفال.
وقيل {لا تقتلوه} التفات عن خطاب فرعون إلى خطاب الموكّلين بقتل أطفال إسرائيل كقوله: {يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك} [يوسف: 29].
فموقع جملة {قرة عين لي ولك} موقع التمهيد والمقدمة للعرض.
وموقع جملة {لا تقتلوه} موقع التفريع عن المقدمة ولذلك فصلت عنها.
وأما جملة {عسى أن ينفعنا} فهي في موقع العلة لمضمون جملة {لا تقتلوه} فاتصالها بها كاتصال جملة {قرة عين لي ولك} بها، ولكن نظم الكلام قضى بهذا الترتيب البليغ بأن جعل الوازع الطبيعي عن القتل وهو وازع المحبة هو المقدِّمة لأنه أشدّ تعلقًا بالنفس فهو يشبه المعلوم البديهي.
وجعل الوازع العقلي بعد النهي علةً لاحتياجه إلى الفكر، فتكون مهلة التفكير بعد سماع النهي الممهد بالوازع الطبيعي فلا يخشى جماح السامع من النهي ورفضه إياه.
ويتضمن قولها {عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا} إزالة ما خامر نفس فرعون من خشية فساد ملكه على يد فتى إسرائيلي بأن هذا الطفل لا يكون هو المخوف منه لأنه لما انضم في أهلهم وسيكون ربيَّهم فإنه يرجى منه نفعهم وأن يكون لهم كالولد.
فأقنعت فرعون بقياس على الأحوال المجربة في علاقة التربية والمعاشرة والتبني والإحسان، وإن الخير لا يأتي بالشر.
ولذلك وقع بعده الاعتراض بقوله تعالى: {وهم لا يشعرون} أي وفرعون وقومه لا يعلمون خفي إرادة الله من الانتقام من أمة القبط بسبب موسى.
ولعل الله حقق لامرأة فرعون رجاءها فكان موسى قرة عين لها ولزوجها، فلما هلكا وجاء فرعون آخر بعدهما كان ما قدّره الله من نصر بني إسرائيل.
واختير {يشعرون} هنا لأنه من العلم الخفي، أي لا يعلمون هذا الأمر الخفي. اهـ.